سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


قوله تعالى: {فبما أغويتني} في معنى هذا الإِغواء قولان:
أحدهما: أنه بمعنى: الإِضلال، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنه بمعنى: الإهلاك، ومنه قوله: {فسوف يلقون غياً} [مريم: 59] أي: هلاكاً، ذكره ابن الأنباري. وفي معنى {فبما} قولان:
أحدهما: أنها بمعنى القسم، أي: فباغوائك لي.
والثاني: أنها بمعنى الجزاء، أي: فبأنك أغويتني، ولأجل أنك أغويتني {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}. قال الفراء، والزجاج: أي على صراطك. ومثله قولهم: ضُرب زيد الظهر والبطن. وفي المراد بالصراط هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه طريق مكة، قاله ابن مسعود، والحسن، وسعيد بن جبير؛ كأن المراد صدُّهم عن الحج.
والثاني: أنه الإِسلام، قاله جابر بن عبد الله، وابن الحنفية، ومقاتل.
والثالث: أنه الحق، قاله مجاهد.


قوله تعالى: {ثم لآتينَّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} فيه سبعة أقوال.
أحدها: {من بين أيديهم} أشككهم في آخرتهم، {ومن خلفهم} أرغبهم في دنياهم، {وعن أيمانهم} أي: من قِبل حسناتهم، {وعن شمائلهم} من قِبل سيئاتهم، قاله ابن عباس.
والثاني: مثلُه، إلا أنهم جعلوا {من بين أيديهم} الدنيا، {ومن خلفهم} الآخرة، قاله النخعي، والحكم بن عتيبة.
والثالث: مثل الثاني، إلا أنهم جعلوا {وعن أيمانهم} من قبل الحق أصدَّهم عنه، {وعن شمائلهم} من قبل الباطل أردُّهم إليه، قاله مجاهد، والسدي.
والرابع: {من بين أيديهم} من سبيل الحق، {ومن خلفهم} من سبيل الباطل {وعن أيمانهم} من قبل آخرتهم، {وعن شمائلهم} من أمر الدنيا، قاله أبو صالح.
والخامس: {من بين أيديهم} {وعن أيمانهم} من حيث يبصرون. {ومن خلفهم} {وعن شمائلهم} من حيث لا يبصرون، نقل عن مجاهد أيضاً.
والسادس: أن المعنى لأتصرفن لهم في الإِضلال من جميع جهاتهم، قاله الزجاج، وأبو سليمان الدمشقي. فعلى هذا، يكون ذكر هذه الجهات، للمبالغة في التأكيد.
والسابع: {من بين أيديهم} فيما بقي من أعمارهم، فلا يقدمون فيه على طاعة، {ومن خلفهم} فيما مضى من أعمارهم، فلا يتوبون فيه من معصية، {وعن أيمانهم} من قبل الغنى، فلا ينفقونه في مشكور، {وعن شمائلهم} من قبل الفقر، فلا يمتنعون فيه من محظور، قاله الماوردي.
قوله تعالى: {ولا تجد أكثرهم شاكرين} فيه قولان:
أحدهما: موحِّدين، قاله ابن عباس.
والثاني: شاكرين لنعمتك، قاله مقاتل. فان قيل: من أين علم إبليس ذلك؟ فقد أسلفنا الجواب عنه في سورة النساء.


قوله تعالى: {قال اخرج منها مذؤوماً} قرأ الأعمش: {مذوماً} بضم الذال من غير همز. قال الفراء: الذَّأْمُ: الذَّمُّ، يقال: ذأمْتُ الرجلَ، أذأَمُه ذأمْاً؛ وذممتُه، أذُمُّه ذمّاً، وذِمْتُه، أذيمُه ذَيْماً، ويقال: رجل مذؤوم، ومذموم، ومَذيم، بمعنى: قال حسان بن ثابت:
وأقاموا حتى أبيروا جميعاً *** في مَقامٍ وكُلُّهم مَذؤوم
قال ابن قتيبة: المذؤوم: المذموم بأبلغ الذم. والمدحور: المقصى المبعَد. وقال الزجاج: معنى المذؤوم: كمعنى المذموم، والمدحور: المبعد من رحمة الله. واللام من {لأملأن} لام القسم؛ والكلام بمعنى الشرط والجزاء، كأنه قيل له: من تبعك، أُعذبْه، فدخلت اللام للمبالغة والتوكيد. فلام {لأملأن} هي لام القسم، ولام {لَمن تبعك} توطئة لها. فأما قوله: {منهم} فقال ابن الانباري: الهاء والميم عائدتان على ولد آدم، لانه حين قال: {ولقد خلقناكم ثم صوَّرناكم} [الأعراف: 11] كان مخاطباً لولد آدم، فرجع إليهم، فقال: {لَمن تبعك منهم} فجعلهم غائبين، لأن مخاطبتهم في ذا الموضع توقع لَبْساً، والعرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب. ومن قال: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} خطاب لآدم، قال أعاد الهاء والميم على ولده، لأن ذكره يكفي من ذكرهم؛ والعرب تكتفي بذكر الوالد من ذكر الأولاد إذا انكشف المعنى وزال اللبس. قال الشاعر:
أرى الخَطَفى بَذَّ الفرزدقُ شِعْرَهُ *** ولكنَّ خيراً من كُلَيبٍ مُجاشِعُ
أراد: أرى ابن الخطفى، فاكتفى بالخطفى من ابنه.
قوله تعالى: {لأملأن جهنم منكم} يعني: أولاد آدم المخالفين وقرناءهم من الشياطين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8